فصل: تابع

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الخِطط المقريزية المسمى بـ «المواعظ والاعتبار بذكر الخِطط والآثار» **


 ولما مات هارون الرشيد وقام من بعده ابنه محمد الأمين وأراد الغدر والنكث بالمأمون كان على مصر حاتم بن هرثمة بن أعين من قبل الأمين فلما ثار عليه أهل تنو ونُمي بعث إليهم السريّ بن الحكم وعبد العزيز بن الوزير الجرويّ فغلبا بعد الثمانية من شوّال سنة أربع وتسعين ومائة ثم ولي الأمير جابر بن الأشعث الطائيّ مصر وصرف حاتم بن هرثمة وكان جابر لينًا فلما تباعد ما بين محمد الأمين وبين أخيه عبد الله المأمون وخلع محمد أخاه من ولاية العهد وترك الدعاء له على المنابر وعهد إلى ابنه موسى ولقبه بالشديد ودعى له تكلم الجند بمصر بينهم في خلع محمد غضبًا للمأمون فبعث إليهم جابر ينهاهم عن ذلك ويخوّفهم عواقب الفتن وأقبل السريّ بن الحكم يدعو الناس إلى خلع محمد وكان ممن دخل إلى مصر في أيام الرشيد من جند الليث بن الفضل وكان خاملًا فارتفع ذكره بقيامه في خلع محمد الأمين‏.‏

وكتب المأمون إلى أشراف مصر يدعوهم إلى القيام بدعوته فأجابوه وبايعوا المأمون في رجب سنة ست وتسعين ومائة ووثبوا بجابر فأخرجوه وولوا عباد بن محمد فبلغ ذلك محمد الأمين فكتب إلى رؤساء الحوف بولاية ربيعة بن قيس الجرشيّ وكان رئيس قيس الحوف فانقاد أهل الحوف كلهم معه يمنها وقيسها وأظهروا دعوة الأمين وخلع المأمون وساروا إلى الفسطاط لمحاربة أهلها واقتتلوا فكانت بينهما قتلى ثم انصرفوا وعادوا مرارًا إلى الحرب فعقد عباد بن محمد لعبد العزيز الجرويّ وسيره في جيش ليحارب القوم في دارهم فخرج في ذي القعدة سنة سبع وتسعين ومائة وحاربهم بعمريط فانهزم الجرويّ ومضى في قومه من لخم وجذام إلى فاقوس فقال له قومه‏:‏ لِمَ لا تدعو لنفسك فما أنت بدون هؤلاء الذين غلبوا على الأرض‏.‏

فمضى فيهم إلى تنيس فنزلها ثم بعث بعماله يجبون الخراج من أسفل الأرض فبعث ربيعة بن قيس يمنعه من الجباية وسار أهل الحوف في المحرّم سنة ثمان وتسعين إلى الفسطاط فاقتتلوا وقتل جمع من الفريقين وبلغ أهل الحوف قتل الأمين فتفرّقوا‏.‏

وولي إمرة مصر مطلب بن عبد الله الخزاعيّ من قبل المأمون فدخلها في ربيع الأوّل وولى عبد العزيز الجرويّ شرطته ثم عزله وعقد له على حرب أسفل الأرض ثم صرف المطلب وولى العباس بن موسى بن عيسى في شوال فولي عبد العزيز الشرطة فلما ثار الجند وأعادوا المطلب في المحرّم سنة تسع وتسعين هرب الجرويّ إلى تنيس وأقبل العباس بن موسى بن عيسى من مكة إلى الحوف فنزل ببلبيس ودعا قيسًا إلى نصرته ثم مضى إلى الجرويّ بتنيس فأشار عليه أن ينزل دار قيس فرجع إلى بلبيس في جمادى الآخرة وبها مات مسمومًا في طعام دسه إليه المطلب على يد قيس فدان أهل الأحواف للمطلب وبايعوه وسارعوا إلى جب عميرة وسالموه عندما لقوه وبعث إلى الجرويّ يأمره بالشخوص إلى الفسطاط فامتنع من ذلك وسار في مراكبه حتى نزل شطنوف فبعث إليه المطلب السريّ بن الحكم في جمع من الجند يسألونه الصلح فأجابهم إليه ثم اجتهد في الغدر بهم فتيقظوا له فمضى راجعًا إلى بنا فاتبعوه وحاربوه‏.‏

ثم عاد فدعاهم إلى الصلح ولاطف السريّ فخرج إليه في زلاج وخرج الجرويّ في مثله فالتقيا في وسط النيل مقابل سندفا وقد أعدّ الجرويّ في باطن زلاجة الحبال وأمر أصحابه بسندفا إذا لصق بزلاج السريّ أن يجروا الحبال إليهم فلصق الجرويّ بزلاج السريّ فربطه في زلاجه وجرّ الحبال وأسر السريّ ومضى به إلى تنيس فسجنه بها وذلك في جمادى الأولى ثم كرّ الجرويّ وقاتل فلقيه جموع المطلب بسفط سليط في رجب فظفر ولما عزل عمر بن ملاك عن الإسكندرية ثار بالأندلسيين ودعا للجرويّ فأقبل عبد الله بن موسى بن عيسى إلى مصر طالبًا بدم أخيه العباس في المحرّم سنة مائتين فنزل على عبد العزيز الجرويّ فسار معه في جيوش كثيرة العدد في البرّ والبحر حتى نزل الجيزة فخرج إليه المطلب في أهل مصر فحاربوه في صفر فرجع الجرويّ إلى شرقيون ومضى عبد الله بن موسى إلى الحجاز وظهر المطلب على أنّ أبا حرملة فرجًا الأسود هو الذي كاتب عبد الله بن موسى وحرّضه على المسير فطلبه ففز إلى الجرويّ وجدّ المطلب في أمر الجرويّ فأخرج الجرويّ السريّ بن الحكم من السجن وعاهده وعاقده على أن يثور بالمطلب ويخلعه فعاهده السريّ على ذلك فأطلقه وألقى إلى أهل مصر أنّ كتاب ورد بولايته فاستقبله الجند من أهل خراسان وعقدوا له عليهم وامتنع المصريون من ولايته فنزل داره بالحمراء وأمدّه قيس بجمع منهم وحارب المصريين فهزمهم وقتل منهم فطلب المطلب منه الأمان فأمنه وخرج من مصر‏.‏

واستبدّ السريّ بن الحكم بأمر مصر في مستهل شهر رمضان فلما قتل الأندلسيون عمر بن ملاك بالإسكندرية سار إليها الجرويّ في خمسين ألفًا فبعث السريّ إلى تنيس بعثًا فكَر الجرويّ راجعًا إلى تنيس في محرم سنة إحدى ومائتين فلما ثار الجند بالسريّ في شهر ربيع الأوّل وبايعوا سليمان بن غالب قام عباد بن محمد عليه وخلعه وقام بالأمر عليّ بن حمزة بن جعفر بن سليمان بن عليّ بن عبد الله بن عباس في مستهل شعبان فامتنع عباد أن يبايعه ولحق بالجرويّ ثم لحق به أيضًا سليمان بن غالب فكان معه وعاد السريّ إلى ولايته مصر في شعبان وقوي سلطانه‏.‏

فلما كان في المحرّم سنة اثنتين مائتين ورد كتاب المأمون إليه يأمره بالبيعة لوليّ عهده عليّ بن موسى الرضى فبويع له بمصر وقام في فساد ذلك إبراهيم بن المهديّ ببغداد وكتب إلى وجوه الجند بمصر يأمرهم بخلع المأمون ووليّ عهده وبالوثوب على السريّ فقام بذلك الحارث بن زرعة بن محرّم بالفسطاط وعبد العزيز بن الوزير الجرويّ بأسفل الأرض ومسلمة بن عبد الملك الطحاويّ الأزديّ بالصعيد وخالفوا السريّ ودعوا إلى إبراهيم بن المهديّ وعقدوا على ذلك الأمر لعبد العزيز بن عبد الرحمن الأزديّ فحاربه السريّ وظفر به في صفر ولحق كل من كره بيعة عليّ الرضى بالجرويّ لمنعته بتنيس وشدة سلطانه فسار إلى الإسكندرية وملكها ودعى له بها وببلاد الصعيد ثم سار في جمع كبير لمحاربة السريّ واستعدّ كل منهما لصاحبه بأعظم ما قدر عليه فبعث إليه السريّ ابنه ميمونًا فالتقيا بشطنوف فقتل ميمون في جمادى الأولى سنة ثلاث ومائتين وأقبل الجرويّ على مراكبه إلى الفسطاط ليحرقها فخرج إليه أهل المسجد وسألوه الكف فانصرف عنها وحارب الإسكندرية غير مرّة وقتل بها من حجر أصابه من منجنيقه في آخر صفر سنة خمس ومائتين‏.‏

ومات السريّ بعده بثلاثة أشهر في آخر جمادى الأولى وقام بعده الجرويّ ابنه عليّ بن عبد العزيز الجرويّ فحارب أبا نصر محمد بن السريّ أمير مصر بعد أبيه بشطنوف ثم التقيا بدمنهور فيقال‏:‏ إنّ القتلى بينهما يومئذٍ كانوا سبعة آلاف وانهزم ابن السريّ إلى الفسطاط فتبعته مراكب ابن الجوريّ ثم عادت فدخل أبو حرملة فرج بينهما حتى اصطلحا ومات ابن السريّ في شعبان سنة ست ومائتين فولي بعده أخوه عبيد الله بن السريّ فكف عن ابن الجرويّ‏.‏

وبعث المأمون مخلد بن يزيد بن مزيد الشيبانيّ إلى مصر في جيش من ربيعة فامتنع عبيد الله بن السريّ من التسليم له ومانعه فاقتتلوا وانضم عليّ بن الجرويّ إلى خالد بن يزيد وأقام له الأنزال وأغاثه وسار حتى نزل على خندق عبيد الله بن السريّ فاقتتلا في شهر ربيع الأوّل سنة سبع ومائتين وجرت بينهما حروب بعد ذلك آلت إلى ترفع خالد إلى أرض الحوف فكره ذلك ابن الجرويّ ومكر به حتى أخرجه من عمله إلى غربيّ النيل فنزل نهيًا وانصرف ابن الجرويّ إلى تنيس فصار خالد في ضرّ وجهد وعسكر له ابن السريّ في شهر رمضان وأسره وبعث المأمون بولاية عبيد الله بن السريّ على ما في يده وهو فسطاط مصر وصعيدها وغربيها وبولاية عليّ بن عبد العزيز الجرويّ تنيس مع الحوف الشرقيّ وضمنه خراجه وأقبل ابن الجرويّ على استخراج خراجه من أهل الحوف فمانعوه وكتبوا إلى ابن السريّ يستمدّونه عليه فأمدهم بأخيه فالتقيا بكورة بنا في بلقينة فاقتتلوا في صفر سنة تسع ومائتين وامتدّت الحروب بينهما إلى أثناء ربيع الأوّل وهم منتصفون فانصرف ابن الجرويّ فيمن معه إلى دمياط فسار ابن السريّ إلى محلة شريقون ونهبها وبعث إلى تنيس ودمياط فملكها ولحق ابن الجرويّ بالفرما وسار منها إلى العريش فنزل فيما بينها وبين غزة ثم عاد وأغار على الفرما في جمادى الآخرة ففرَّ أصحاب ابن السريّ من تنيس وسار ابن الجرويّ إلى شطنوف فخرج إليه ابن السريّ واقتتلا فكانت لابن الجرويّ في أوّل النهار ثم أتاه كمين ابن السريّ فانهزم وذلك في رجب فمضى إلى العريش وسار ابن السريّ إلى تنيس ودمياط ثم أقبل ابن الجرويّ في المحرّم سنة عشر ومائتين وملك تنيس ودمياط بغير قتال فبعث إليه ابن السريّ البعوث فحاربهم‏.‏

فبينما هم في ذلك إذ قدم عبد الله بن طاهر فتلقاه ابن الجرويّ بالأموال والأنزال وانضم إليه ونزل معه ببلبيس فامتنع ابن السريّ ودافع ابن طاهر فتراخى له وبعث فجبى المال ونزل زفتا وبعث إلى شطنوف عيسى الجلوديّ على جسر عقده من زفتا وجعل ابن الجرويّ على سفنه التي جاءته من الشام لمعرفته بالحرب فهزم مراكب ابن السريّ في المحرّم سنة إحدى عشرة وصالَح ابن طاهر عبيد الله بن السريّ في صفر وخلع عليه وأجازه بعشرة آلاف دينار وأقرّه بالخروج إلى المأمون فسكنت فتن مصر بعبد الله بن طاهر‏.‏

وفي سنة سبع وسبعين وثلثمائة ولدت بتنيس معزى جديًا له قرون عدّة ورأسه مع صدره وبدنه ومقدّمه بصوف أبيض ومؤخره بشعر أسود وذنبه ذنب شاة‏.‏

وولدت امرأة سخلة لها رأس مدوّر ولها يدان ورجلان وذنب‏.‏

ولثلاث بقين من في الحجة من هذه السنة حدث بتنيس رعد وبرق وريح شديدة وسواد عظيم في الجوّ ثم ظهر وقت السحر في السماء عمود نار احمرّت منه السماء والأرض أشدّ حمرة وخرج غبار ودخان يأخذ بالأنفس فلم يزل إلى الرابعة من النهار حتى ظهرت الشمس ولم يزل كذلك خمسة أيام‏.‏

وفي سنة اثنتين وثلاثين وثلثمائة حضر عند قاضي تنيس أبي محمد عبد الله بن أبي الريس رجل وامرأة فطالبت المرأة الرجل بفرض واجب عليه فقال الرجل‏:‏ تزوّجت بها منذ خمسة أيام فوجدت لها ما للرجال وما للنساء فبعث إليها القاضي امرأة لتشرف عليها فأخبرت أن لها فوق القبل‏:‏ ذكرًا بخصيتين والفرج تحتها والذكر أقلف وإنها رائعة الحسن فطلقها الزوج‏.‏

قال أبو عمرو الكنديّ‏:‏ حدّثني أبو نصر أحمد بن عليّ قال‏:‏ حدّثني يس بن عبد الأحد قال‏:‏ سمعت أبي يقول‏:‏ لما دخل عبد الله بن طاهر مصر كنت فيمن دخل عليه فقال‏:‏ حدّثنا عبد الله بن لهيعة عن أبي قبيل عن سبيع قال‏:‏ يا أهل مصر كيف بكم إذا كان في بلدكم فتن فوليكم فيها الأعرج ثم الأصفر ثم الأمرد ثم يأتي رجل من ولد الحسين لا يدفع ولا يمنع تبلغ راياته البحر الأخضر يملأها عدلًا فقلت‏:‏ كان ذلك كانت الفتنة فوليها السريّ وهو الأعرج والأصفر ابنه أبو النصر والأمرد عبيد الله بن السريّ وأنت عبد الله بن طاهر بن الحسين ثم إن عبد الله بن طاهر سار إلى الإسكندرية وأصلح أمرها وأخرج ابن الجرويّ إلى العراق ثم قدم بالأفشين إلى مصر في في الحجة سنة خمس عشرة وقد أمر الأفشين أن يطالبه بالأموال التي عنده فإن دفعها إليه وإلا قتله فطالبه فلم يدفع إليه شيئًا فقدّمه بعد الأضحى بثلاث فقتله‏.‏

وفي جمادى الآخرة سنة تسع عشرة ومائتين ثار يحيى بن الوزير في تنيس فخرج إليه المظفر بن كندر أمير مصر فقاتله في بحيرة تنيس وأسره وتفرّق عنه أصحابه‏.‏

وفي سنة تسع وثلاثين ومائتين أمر المتوكل ببناء حصن على البحر بتنيس فتولى عمارته عنبسة بن إسحاق أمير مصر وأنفق فيه وفي حصن دمياط والفرما مالًا عظيمًا‏.‏

وفي سنة تسع وأربعين ومائتين عذبت بحيرة تنيس صيفًا وشتاءً ثم عادت ملحًا صيفًا وشتاءً وكانت قبل وفي سنة ثمان وأربعين وثلثمائة وصلت مراكب من صقلية فنهبوا مدينة تنيس‏.‏

وفي سنة ثمان وسبعين وثلثمائة صيدَ بأشتوم تنيس حوت طوله ثمانية وعشرون ذراعًا ونصف من ذلك طول رأسه تسعة أذرع ودائر بطنه مع ظهره خمسة عشر ذراعًا وفتحة فمه تسعة وعشرون شبرًا وعرض ذنبه خمسة أذرع ونصف وله يدان يجذف بهما طول كل يد ثلاثة أذرع وهو أملس أغبر غليظ الجلد مخطط البطن ببياض وسواد ولسانه أحمر وفيه خمل كالريش طوله نحو الذراع يعمل منه أمساط شبه الذبل وله عينان كعيني البقر فأمر أمير تنيس أبو إسحاق بن لوبة به فشق بطنه وملح بمائة أردب ملح ورفع فكه الأعلى بعود خشب طويل وكان الرجل يدخل إلى جوفه بقفاف الملح وهو قائم غير منحن وحمل إلى القصر حتى رآه العزيز بالله‏.‏

وفي ليلة الجمعة ثامن عشر ربيع الأوّل سنة تسع وسبعين وثلثمائة شاهد أهل تنيس تسعة أعمدة من نار تلتهب في آفاق السماء من ناحية الشمال فخرج الناس إلى ظاهر البلد يدعون الله تعالى حتى أصبحوا فخبت تلك النيران وفيها صِيد ببحيرة تنيس حوت طوله ذراع ونصفه الأعلى فيه رأس وعينان وعنق وصدره على صورة أسد ويداه في صدره بمخالبه ونصفه الأدنى صورة حوت بغير قشر فحمل إلى القاهرة‏.‏

وفي سنة سبع وتسعين وثلثمائة ولدت جارية بنتًا برأسين أحدهما بوجه أبيض مستدير والآخر بوجه أسمر فيه سهم في كل وجه عينان فكانت ترضعهما وكلاهما مركب على عنق واحد في جسد واحد بيدين ورجلين وفرج ودبر فحملت إلى العزيز حتى رآها ووهب لأمها جملة من المال ثم عادت إلى تنيس وماتت بعد شهور‏.‏

وفي سنة إحدى وسبعين وخمسمائة وصل إلى تنيس من شواني صقلية نحو أربعين مركبًا فحصروها يومين وأقلعوا ثم وصل إليها من صقلية أيضًا في سنة ثلاث وسبعين نحو أربعين مركبًا فقاتلوا أهل تنيس حتى ملكوها‏.‏

وكان محمد بن إسحاق صاحب الأسطول قد حيل بينه وبين مراكبه فتحيز في طائفة من المسلمين إلى مصلى تنيس فلما اجنهم الليل هجم بمن معه البلد على الفرنج وهم في غفلة فأخذ منهم مائة وعشرين فقطع رؤوسهم فأصبح الفرنج إلى المصلى وقاتلوا من بها من المسلمين فقتل من المسلمين نحو السبعين وسار من بقي منهم إلى دمياط فمال الفرنج على تنيس وألقوا فيها النار فأحرقوها وساروا وقد امتلأت أيديهم بالغنائم والأسرى إلى جهة الإسكندرية بعدما أقاموا بتنيس أربعة أيام‏.‏

ثم لما كانت سنة ست وسبعين وخمسمائة نزل فرنج عسقلان في عشر حراريق على أعمال تنيس وعليها رجل منهم يقال له‏:‏ المعز فأسر جماعة وكان على مصر الملك العادل من قبل أخيه الملك الناصر صلاح الدين يوسف عندما سار إلى بلاد الشام ثم مضى المعز وعاد فأسر ونهب فثار به المسلمون وقاتلوه فظفرهم الله به وقبضوا عليه وقطعوا يديه ورجليه وصلبوه‏.‏

وفي سنة سبع وسبعين وخمسمائة انتدب السلطان لعمارة قلعة تنيس وتجديد الآلات بها عندما اشتدّ خوف أهل تنيس من الإقامة بها فقدّر لعمارة سورها القديم على أساساته الباقية مبلغ ثلاثة آلاف دينار عن ثمن أصناف وآجر‏.‏

وفي سنة ثمان وثمانين وخمسمائة كتب بإخلاء تنيس ونقل أهلها إلى دمياط فأخليت في صفر من الفراري والأثقال ولم يبق بها سوى المقاتلة في قلعتها‏.‏

وفي شوّال من سنة أربع وعشرين وستمائة أمر الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب بهدم مدينة تنيس وكأن من المدن الجليلة تعمل بها الثياب السرية وتصنع بها كسوة الكعبة‏.‏

قال الفاكهيّ في كتاب أخبار مكة‏:‏ ورأيت كسوة مما يلي الركن الغربيّ يعني من الكعبة مكتوبًا عليها مما أمر به السريّ بن الحكم وعبد العزيز بن الوزير الجرويّ بأمر الفضل بن سهل في الرياستين وطاهر بن الحسين سنة سبع وتسعين ومائة ورأيت شقة من قباطي مصر في وسطها إلا أنهم كتبوا في أركان البيت بخط دقيق أسود مما أمر به أمير المؤمنين المأمون سنة ست ومائتين ورأيت كسوة من كسا المهديّ مكتوبًا عليها‏:‏ بسم الله بركة من الله لعبد الله المهديّ محمد أمير المؤمنين أطال اللّه بقاءه مما أمر به إسماعيل بن إبراهيم أن يصنع في طراز تنيس على يد الحكم بن عبيدة سنة اثنتين وستين ومائة ورأيت كسوة من قباطي مصر مكتوبًا عليها‏:‏ بسم الله بركة من الله مما أمر به عبد الله المهديّ محمد أمير المؤمنين أصلحه الله محمد بن سليمان أن يصنع في طراز تنيس كسوة الكعبة على يد الخطاب بن مسلمة عامله سنة تسع وخمسين ومائة‏.‏

قال المُسبحيّ في حوادث سنة أربع وثمانين وثلثمائة‏:‏ وفي ذي القعدة ورد يحيى بن اليمان من تنيس ودمياط والفرما بهديته وهي أسفاط وتخوت وصناديق مال وخيل وبغال وحمير وثلاث مظال وكسوتان للكعبة‏.‏

وفي في الحجة سنة اثنتين وأربعمائة وردت هدية تنيس الواردة في كل سنة منها خمس نوق مزينة ومائة رأس من الخيل بسروجها ولجمها وتجافيف وصناعات عدة وثلاث قباب دبيقية بمراتبها ومتحرقات وبنود وما جرى الرسم بحمله من المتاع والمال والبز‏.‏

ولما قدم الحاكم استدعت أخته السيدة سيدة الملك إلى عامل تنيس عن الحاكم بأن يحمل مالًا كان اجتمع قبله ويعجل توجيهه وقيل‏:‏ إنه كان ألف ألف دينار والذي ألف درهم اجتمعت من ارتفاع البلد لثلاث سنين وأمره الحاكم بتركها عنده فحمل ذلك إليها وبه استعانت على ما دبرت‏.‏

وفي سنة خمس عشرة وأربعمائة ورد الخبر على الخليفة الظاهر لإعزاز دين الله أبي هاشم عليّ بن الحاكم بأمر الله‏:‏ أن السودان وغيرهم ثاروا بتنيس وطلبوا أرزاقهم وضيقوا على العامل حتى هرب وأنهم عاثوا في البلد وأفسدوا ومدّوا أيديهم إلى الناس وقطعوا الطرقات وأخذوا من المودع ألفا وخمسمائة دينار فقام الجرجراي وقعد وقال‏:‏ كيف يفعل هذا بخزانة السلطان وساءنا فعل هذا بتنيس أو بيت المال وسير خمسين فارسًا للقبض على الجناة وما زالت تنيس مدينة عامرة ليس بأرض مصر مدينة أحسن منها ولا أحصن من عمارتها إلى أن خرّبها الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب في سنة أربع وعشرين وستمائة فاستمرّت خرابًا ولم يبق منها إلا رسومها في وسط البحيرة وكان من جملة كورة تنيس‏:‏ بورا ومنها وإيوان وشطا وبحيرتها الآن يصاد منها السمك وهي قليلة العمق يسار فيها بالعاديّ وتلتقي السفينتان هذه صاعدة وهذه نازلة بريح واحدة وقلع كل واحدة منها مملوء بالريح سيرهما في السرعة مستو توسط البحيرة عدّة جزائر تعرف اليوم بالعزب جمع عزبة بضم العين المهملة وزاء ثم باء موحدة سكنها طائفة من الصيادين وفي بعضها ملاحات يؤخذ منها ملح تونة‏:‏ وكان من جملة عمل مدينة تنيس قرية يقال لها‏:‏ تونة يعمل بها طراز تنيس ويصنع بها من جملة الطراز كسوة الكعبة أحيانًا‏.‏

قال الفاكهي‏:‏ ورأيت أيضًا كسوة لهارون الرشيد من قباطي مصر مكتوبًا عليها‏:‏ بسم الله بركة من الله للخليفة الرشيد عبد الله هارون أمير المؤمنين أكرمه الله مما أمر به الفضل بن الربيع أن يعمل في طراز تونة سنة تسعين ومائة‏.‏

سمناي‏:‏ قرية من قرى تنيس غلبت عليها بحيرة تنيس فصارت جزيرة فلما كان في شهر ربيع الأوّل سنة سبع وثلاثين وثمانمائة كُشف عن حجارة وآجرّ بها فإذا عضادات زجاج كثيرة مكتوب على بعضها اسم الإمام المعز لدين الله وعلى بعضها اسم الإمام العزيز بالله نزار ومنها ما عليه اسم الإمام الحاكم بأمر الله ومنها ما عليه اسم الإمام الظاهر لإعزاز دين الله ومنها ما عليه اسم المستنصر وهو أكثرها أخبرني بذلك من شاهده ورآه‏.‏

بورا‏:‏ كانت فيما بين تنيس ودمياط وإليها ينسب السمك الذي يقال له‏:‏ البوريّ وإليها ينسب أيضًا بنو البوريّ الذين كانوا بالقاهرة والإسكندرية‏.‏

وفي سنة عشر وستمائة وصل العدوّ إليها بشوانية وسباها فقدمت إليها القطائع التي كانت على وشيد فسار عنها العدوّ‏.‏

القيس‏:‏ بفتح القاف وبعدها سين مهملة بلد ينسب إليها الثياب القيسية آثارها إلى اليوم باقية على البحر الملح فيما بين السوادة والواردة وبعدها من مدينة الفرما قريب من ستة برد في البرّ وهناك تل عظيم من رمل خارج في البحر الشاميّ يقطع الفرنج عنده الطريق على المارة وبالقرب من التل سباخ ينبت فيه ملح يحمله العربان إلى غزة والرملة وبقرب هذا السباخ آبار يزرع عندها مقاثي لعربان تلك البوادي‏.‏

 

ذكر مدينة صا

قال ابن وصيف شاه‏:‏ ولما قسم قبطيم بن مصرايم الأرض بين أشمون وأتريب وقفط وصا انتقل كل واحد إلى قسمه وحيزه فخرج صا بأهله وولده وحشمه إلى حيزه وهو بلد البحيرة والإسكندرية حتى انتهى إلى برقة ونزل مدينة صا قبل أن تبنى الإسكندرية وكان صا أصغر ولد أبيه وأحبهم إليه فلما ملك حيزه أمر بالنظر في العمارات وبناء المدائن والبلدان والهياكل وإظهار العجائب كما صنع إخوته وطلب الزيادة في ذلك‏.‏

وقال مرهون الهنديّ‏:‏ صاحب بانة فبنى من حد صا إلى حد لوبية ومراقيه على البحر أعلامًا وجعل على رؤوس تلك الأعلام مَرائي من أخلاط شتى فكان منها ما يمنع من دواب البحر وأذاها ومنها ما إذا قصدتم عدوّ من الجزائر وأصابها الشمس ألقت شعاعًا على مراكبهم فأحرقتها ومنها ما يرى المدائن التي تحاذيهم من عدوة البحر وما يعمله أهلها ومنها ما ينظر فيها إلى إقليم مصر فيعلم منه ما يخصب وما يجدب في كل سنة وجعل فيها حمامات تقدمن نفسها وجعل مستشرفات ومنتزهات وكان ينزل كل يوم منها في موضع بمن يخصه من خدمه وحشمه وجعل حواليها بساتين وسرح فيها الطيور المغرّدة والوحش المستأمن والأنهار المطردة والرياض المونقة وجعل شرفات قصوره من حجارة ملوّنة تلمع إذا أصابتها الشمس فينشر شعاعها على ما حولها ولم يدع شيئًا من آلة النعمة والرفاهية إلا استعمله فكانت العمارة ممتدة في رمال رشيد ورمال الإسكندرية إلى برقة وكان الرجل يسافر في أرض مصر لا يحتاج إلى زاد لكثرة الفواكه والخيرات ولا يسير إلا في ظلال تستره من الشمس وعمل في تلك الصحاري قصورًا وغرس فيها غروسًا وساق إليها من النيل أنهارًا فكان يسلك من الجانب الغربيّ إلى حدّ الغرب في عمارة متصلة فلما انقرض أولئك القوم بقيت آثارهم في تلك الصحاري وخربت تلك المنازل وباد أهلها ولا يزال من دخل تلك الصحاري يحكي ما رآه فيها من الآثار والعجائب‏.‏

قال مؤلفه رحمه الله‏:‏ حدّثني الثقة عمن دخل مدينة صا ومشى في خرابها فإذا هو بلبنة طولها أربعة أشبار فتناولها وأخذ يتأملها ثم كسرها فإذا فيها سنبلة قدر شبر وافر كأنها كما حصدت وفركها بيده فخرج منها قمح أبيض كبار حبه جدًّا في قدر حب اللوبيا فأكله كله فلم يجد فيه تغيرًا ودخل آخر إليها قبيل سنة تسعين وسبعمائة وأخذ منها لبنة طولها ذراع ونصف في عرض ذراع فكسرها فإذا فيها سنبلة قمح ثخن كل قمحة منها في مقدار ما يكون أكبر من الحمص فلم يطق كسره إلا بعدما رضه بالحجارة رضًا ووجد بصا‏:‏ صنم لطيف طول إصبع فاتفق أنه ألقي في خابية ماء فصار خمرًا وكان ذلك عند رجل من تنيس فصلحت حاله من بيعه ذلك الخمر فطلبه الأمير الأوحد مستولي تنيس وما زال به حتى أخذ الصنم منه‏.‏

رمل الغرابي اعلم أنَّ هذا الرمل ممتدّ في الأرض ويسميه بعضهم‏:‏ الرمل الهبير وطوله من وراء جبل طي إلى أن يتصل مشرقًا بالبحر ويمضي من وراء جبل طي إلى أرض مصر ثم إلى بلد النوبة ويمتدّ إلى البحر المحيط مسيرة خمسة أشهر ومنه عرق يضرب من القادسية إلى البحرين فيعبر البحرين فيمرّ على مشارق خورستان وفارس إلى أن يرد سجستان ويمرّ مشرقًا إلى مرو آخذًا على جيحون في برّية خوارزم ويأخذ في بلاد الحدلحية إلى الصين والبحر المحيط في جهة الشرق وهو على ما وصفته وسقته من المحيط بالمشرق إلى المحيط بالمغرب وفيه جبال عظام لا ترتقى وبعضه في أرض سهلة ينتقل من مكان إلى مكان ومنه أصفر لين اللمس وأحمر وأزرق سماويّ وأسود حالك وأكحل مشبع كالنيل وأبيض كالثلج ومنه ما يحكي الغبار نعومة ومنه خشن جريش اللمس وزعم بعضهم أن رمل الغرابيّ وما يتصل به من حدّ العريش إلى أرض العباسة وذكر في سبب كونه خبر فيه معتبر وهو أن شدّاد بن هدّاد بن شدّاد بن عاد أحد الملوك العادية قدم إلى مصر وغلب بكثرة جيوشه أشمون بن مصر بن بيصر بن حام بن نوح ملك مصر وهدم ما بناه هو وآباؤه وبنى لنفسه أهرامًا ونصب أعلامًا زبر عليها الطلسمات واختط موضع الإسكندرية وأقام هناك دهرًا إلى أن نزل به وبقومه وباء فخرجوا من أرض مصر إلى جهة وادي القرى فيما بين المدينة النبوية وأرض الشام وعمروا الملاعب والمصانع لحبس المياه التي تجتمع من الأمطار والسيول فكان سعة كل مصنع ميلًا في ميل وغرسوا النخل وغيره وزرعوا أصناف الزراعات فيما بين راية وأيلة إلى البحر الغربيّ وامتدّت منازلهم من الدثنة إلى العريش والجفار في أرض سهلة ذات عيون تجري وأشجار مثمرة وزروع كثيرة فأقاموا بهذه الأرض دهرًا طويلًا حتى عثوا وبغوا وتجبروا وطغوا وقالوا‏:‏ نحن الأكثرون قوّة الأشدّون الأغلبون فسلط الله عليهم الريح فأهلكتهم ونسفت مصانعهم وديارهم حتى سحلتها رملًا فما ترآه من هذه الرمال التي بأرض الجفار ما بين العباسة حيث المنزلة التي تعرف اليوم بالصالحية إلى العريش من رمل مصانع العادية وسالة صخورهم لما أهلكهم الله بالريح ودمّرهم تدميرًا وإياك وإنكار ذلك لغرابته ففي القرآن الكريم ما يشهد لصحته قال تعالى‏:‏ ‏"‏ وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم ‏"‏ الذاريات 41 ـ 42 ،أي كالشيء الهالك البالي وقيل‏:‏ الرميم‏:‏ نبات الأرض إذا يبسَ وديسَ وقيل‏:‏ الورق الجاف المتحطم مثل الهشيم والرميم‏:‏ الخلق البالي من كل شيء‏.‏

مراقية‏:‏ مدينة مراقية كورة من كور مصر الغربية وهي آخر حدّ أرض مصر وفي آخر أرض مراقية تلقي أرض انطابلس وهي برقة وبعدها من مدينة سنترية نحو من بريدين وكان قطرًا كبيرًا به نخل كثير ومزارع وبه عيون جارية وبها إلى اليوم بقية وثمرها جيد إلى الغاية وزرعها إذا بذر ينبت من الحبة الواحدة من القمح مائة سنبلة وأقل ما تنبت تسعون سنبلة وكذلك الأرز بها فإنه جيد زاكٍ وبها إلى اليوم بساتين متعددة وكانت مراقية في القديم من الزمان سكنها البربر الذين نفاهم داود عليه السلام من أرض فلسطين فنزلها منهم خلائق ومنها تفرّقت البربر فنزلت زناتة ومغيلة وضريسة الجبال ونزلت لواتة أرض برقة ونزلت هوّارة طرابلس المغرب ثم انتشرت البربر إلى السويس فلما كان في شوّال سنة أربع وثلثمائة من سني الهجرة المحمدية جلى أهل لوبية ومراقية إلى الإسكندرية خوفًا من صاحب برقة ولم تزل في اختلال إلى أن تلاشت في زمننا وبها بعد ذلك بقية جيدة‏.‏

كوم شريك‏:‏ هذا المكان بالقرب من الإسكندرية له ذكر في الأخبار عرف بشريك بن سميّ بن عبد يغوث بن جزء المراديّ القطيفيّ من الصحابة رضي الله عنهم وكان على مقدّمة عمرو بن العاص في فتح الإسكندرية الثاني فعندما كثرت جمائع الروم انحاز شريك إلى هذا الكوم بأصحابه ودافع الروم حتى أدركه عمرو وكوم شريك هذا من جملة حوت رمسيس‏.‏

غيفة‏:‏ قرية تقارب مدينة بلبيس من الفسطاط إليها مرحلتان كانت منزلة قافلة الحاج ويقال‏:‏ إنّ صواع الملك الذي فقد من مدينة مصر وجد في رحال إخوة يوسف عليه السلام بغيفة هذه‏.‏

سمنود‏:‏ كان بها بربا عليه هيئة لحرقة فيها كتابة حكى ابن زولاق عن أبي القاسم مأمون العدل‏:‏ أنه نسخ الكتابة في قرطاس وصوّره على درقة قال‏:‏ فما كنت أستقبل به أحدًا إلا ولى هاربًا وكان بها أيضًا تماثيل وصور من يملك مصر فيهم قوم عليهم شاسيات وبأيديهم الحراب وعليهم مكتوب هؤلاء يملكون مدينة مصر‏.‏